top of page

مساهمة المرأة في إحياء الخزف في قطر

إن ظهور الخزف بشكلٍ بارزٍ اليوم، كفنّ تقليديّ قديم، هي استجابة طبيعية لثقافتنا العربية التي تتبلور وتتطور يوماً بعد يوم. لقد سئم الناس شراء منتجات ذات الإنتاج الضخم، أو أثاث ليست فريدة من نوعها وليس لها مغزى.

ظهر فن الخزف مجدّداً مع دور جديد ومهم يلعبه في مجتمعنا الشرقي، فهو يثري الحياة اليومية بالهدف والجمال، ويمنح الجماد روحا.

 

يلعبُ الخزف دورا مهما في دراسة الثقافة وإعادة بناء الماضي. تاريخيا، ومع تطور الثقافات، تغير أسلوب صناعة الخزف حيث أصبحت هذه الحرفة تعكس الظروف الاجتماعية والاقتصاديّة والبيئية التي ازدهرت فيها المجتمعات وتلاقت فيها الثقافات، مما ساعد علماء الآثار والمؤرخين في فهم الماضي، والثقافات السائدة.

Pottery Workshop

الخزف وعالم التكنولوجيا

الخزف هو الملجأ المثالي للهروب من أجهزتنا الإلكترونية ومجتمعنا سريع الخطى. فبالتأكيد، لا يمكن صنع قطعة خزفية مميزة أثناء الانشغال بالهاتف أو التلفاز. يجب على الفرد أن يكون حاضرا وأن يركز ذهنه على المادة الموجودة بين يديه، وأن ينفصل عن عالم السرعة، وعن شتّى المخاوف. صناعة الخزف تعتبر شكلاً من أشكال التأمل، وهذا هو السبب الأساسي أنّ الأفراد يجدونها مريحة للغاية. لتشكيل الخزف، يجب أن يكون الخزاف في حالة تناغم مع المواد الخاصة، ومع الطين، ومع الألوان والأشكال.

 

في ظلّ العولمة، واجتياح الأدوات والمعدات التكنولوجية المواكبة للتطور التي تسهّل الحياة كما يقال، خفّ الطلب على القطع الخزفية، واستبدل الكوب الخزفي بكوب الكتروني يتحدّث مع الإنسان، ويسخن نفسه بنفسه دون أي تدخل بشري. مع كلّ هذا التطور، أصبحنا نشهد جمال الثقافات المتجلي في الحرف التقليدية والقطع التراثية يبهت يوماً بعد يوم.

إضافة إلى ذلك، كانت صناعة حرفة الخزف في بداياتها تهدف إلى صناعة الأدوات المنزلية فحسب، ولكن مع تطور الزمن وظهور أواني الألومنيوم، بدأت تتحول صناعة الفخار إلى زاوية أخرى إذ ظهرت منها أحجام وأشكال متنوّعة لأواني الزرع والزهريات والمباخر والتماثيل والتحف، كذلك تحوّل اللون الطبيعي للفخار إلى أصباغ ملونة من أسود وأبيض وأحمر وغيرها من الألوان. كما دخلت مجموعة من الرسومات والأشكال الجمالية التي تتميز بنقوشها وزخارفها البديعة التي تتلاءم مع عصرنا الحديث.

 الخزف في قطر

صناعة الخزف تعتبر من الحرَف التقليدية الموجودة في دولة قطر، وهي أساس لضمان جودة الطعام والمياه والطبخ والتخزين، كما أنها تستخدمُ لأغراض عديدة منها الزينة، وأصبحت ركناً أساسياً في أثاث المنازل القطرية.

يشكل الخزف جزءًا مهما من التراث الثقافي والتاريخي لكلّ بلد، وقطر ليست باستثناء. 

تتميزُ منتجات الخزف في قطر بتنوع أشكالها وجمال الرسم والنقش عليها، ولا تزال موضع تقدير حتى يومنا هذا.

النساء والخزف في قطر

نظرا للمجهود البدني الكبير الذي تتطلبه صناعة الخزف، فإنّه ينسب للرجال –عادة- دون النساء، فالقدرات الجسدية تكون حكرا على الرجال في مجتمعاتنا الذكوريّة.

لكنّ عالم الفنون مكان للمساواة ويرحب بجميع الاختلافات لتتنوّع بذلك المنتوجات وتلبي جميع الأذواق. ولا ينبغي أن يشكّل جنس الفنان عقبة لاستمراريته أو نجاحه. 

في مجال الخزف بالتحديد، خطت النساء خطوات كبيرة لتحقيق المساواة والتغيير. قديما، كان العنصر الذكوري يهيمن على مجال صناعة الخزف، ويكون دور النساء محدودا في  التلوين أو لمسات الزينة فقط. أما في عصرنا الحالي، فقد فرضت النساء أنفسهنّ في هذا المجال وخلقن فرصا كبيرة وسط الرجال الحرفيّين. 

تقول ماريا،صاحبة محل مركز "ماد ستديو" للخزف في الدوحة، أنّ كونها امرأة لم يكن عائقا في طريقها نحو الخزف، سواء كونها مدربة خزف أو عندما كانت تلميذة، وأنّ الشغف هو العامل الرئيسي للنجاح في هذا المجال. وأضافت أنّ ذوقها وحسّها الإبداعي كامرأة ساعدها أكثر في ابتداع قطع أكثر تميّزا.

وفي نفس الصدد، تقول لينا لطفي ،خزّافة لبنانية في قطر،أنّ الورش التي تقوم بتنظيمها تكون معظمها مخصصة للنساء، و حوالي 95 بالمئة من المشتركات يشاركن في ورشة كاملة؛ تتكون من 6 إلى 8 حصص في الشهر. وتضيف لينا أنّه في معارض الخزف في قطر، تنال  الفنانات نصيبا متساوي من التمثيل الإبداعي للفنّانين، وإقبال الجمهور على تقدير أو شراء القطع لا يقوم على النوع الجندريّ وإنّما على الذائقة الفنيّة .

.  تصوير هاجر بخدة٬ جنى محمود٬ ريڤ شعبان. مونتاج: ريڤ شعبان وجنى محمود. ترجمة: هاجر بخدة 

تحدي استمرارية الخزف

السيناريو الحالي للخزف في قطر هو شعار ثقافي وأحيانا ترفيهي، في حين أن بعض الفنانين يعتبرونه مصدرا للعيش.

النساء اللواتي يقفن في طليعة الحفاظ على هذه الجماليات الثقافية، يكرسن أنفسهن لغد أفضل لكي لا يختفي هذا الفن من العالم. تحديات بقاء هذا الفن وافرة، والأساسية هي قلة إقبال وإهتمام الجيل الحالي على الخزف. 

تقلل فجوة الأجيال من نطاق مستقبل هذه الفنون حيث لا يمكن العثور على اهتمام ومشاعر الجيل الحديث الفائق في هذا المجال. ففي عالم يتم فيه رقمنة الطعام والشراب، يواجه نطاق هذا الفن تهديدا كبيرا. وجود دورات ملائمة وملموسة لنشر الوعي حول جمال وقيمة هذا الفن حاليا أمر ضروري، وربما  من خلال تعزيز الوعي والتدريب والإلهام للجيل المتنامي، يمكن إنقاذ هذا الفن من الاختفاء.

غالبا ما يؤدي انخفاض المعروض وعدم توافر الموارد الطبيعية اللازمة لإنشاء الخزف إلى تقليل اقبال الخزافين في قطر، فهناك شح بكل المكونات تقريبا بدءا من الطين والآلات والأدوات اللازمة لإحياء هذا الفن وتغذيته. 

الشخص الذي يعرف المبادئ الاقتصادية سيعرف أنه كلما زادت تكلفة الإنتاج، يرتفع سعر المنتج أيضا وبالتالي يصبح غير ميسور التكلفة للعملاء. هذه العملية برمتها من نقص المدربين تدريجيا، وارتفاع الأسعار، وقلة الاقبال،  تضيف الوقود إلى النار ويصبح هذا الفن الجميل محاطا بالكثير من المشاكل. 

 ​تسجيل: جنى محمود. المقابلة والفويس أوفر: ريڤ شعبانمونتاج: هاجر بخدة 

أثر فنّ الخزف على الفرد

غالبا ما يوصف فن الخزف بأنه علاجي ومريح. فأثناء غزل الطين، يكون عقل الإنسان وجسمه في تآزر طبيعيّ، ويكون الفرد ملفوفا حول الأهداف الإبداعية لإنتاج قطعة الخزف. هذا النّشاط الفني المدروس يمكن أن يُغذي العقل وأن يريح الفرد من المخاوف الخارجيّة كافة.

 

بحسب دراسات عدّة، ورشات صناعة الخزف تساعدُ الأفراد في التعبيرعن شخصيّاتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم، ما يؤدي إلى إثارة مزاج إيجابي وخلق ملجأ آمن للتعبير عن مختلجات النفس البشرية. وأيضاً، هذا الفن يوفر الرفاهية النفسية ويعزّز احترام الأفراد لذاتهم ولإبداعهم الفرديّ.

تصوير: ريڤ شعبان

 تجهيز المادة الخام الأساسية أي الطين وإضافة الماء 

 كتابة: جنى محمود وهاجر بخدة
مقابلات: ريڤ شعبان
IMG_6695.jpg
تصوير: جنى محمود وريڤ شعبان

بعضٌ من جمال الخزف 

bottom of page