ريادة الأعمال وتمكين المرأة
جنى محمود
على مدار السنوات الفائتة، لعب مجال ريادة الأعمال دوراً هامًّا وأساسياً في تنمية اقتصاد السوق العالمي الذي يتوسّع يوماً بعد يومٍ. هذا المجال الذي يُطوّرُ ويدير مشاريع تجارية، ويوظّف الفكر الإبداعي في خدمة الشعوب، يؤسس لتمكينِ متينٍ لروّاده بعامةٍ وللنساء بخاصة.
ريادة الأعمال تساهم في خلق بيئة تنافسية عريقة، وتخلق أسواقاً جديدة وتستحدثها مع كلّ خطوة تطور واستحداث. هذا المجال الواسع يُشعر كلّ من يخوضه بالاستقلالية والتحرر من كلّ عمل اتّكالي ويعطيه حوافز جمّة.
امتيازات رواد ورائدات الأعمال
من أهمّ الامتيازات والصفات التي تقع ضمن خانة شروط روّاد الأعمال، هي امتلاك الطموح لتأسيس مشاريع جديدة ذات طابع مستدام إضافةً إلى امتلاك الثقة العالية بالنفس وشغف التحدي والمواجهة. وإذا دقّقنا بالبحث والتقصي، نرى بوضوح أنّ هذا المجال الواسع والمتعدد الأبعاد يعتمد بشكلٍ شبه كلّي على الرجال، في ظلّ غيابٍ واضح للنساء. هذا ما يدفعنا إلى طرح الأسئلة الاتية: أين هي المرأة في ريادة الأعمال، وتحديداً في مجتمعاتنا العربية؟ وفي أيّ خانةٍ توضع دولة قطر في هذا المجال؟
بدءاً بإجابة السؤال الثاني الذي يطرح نفسه، احتلت دولة قطر المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً في مؤشر بيئة ريادة الأعمال المحلية، بناء على دراسة تضمنت استطلاع رأي شمل أكثر من 3000 مشارك، من الرجال والنساء، من مختلف الجنسيات المقيمين في قطر. يراقب المرصد العالمي لريادة الأعمال مستويات ريادة الأعمال في كل دول العالم لأكثر من عقدين من الزمن، ومنذ إنشائه في عام 1999، أشرف هذا المرصد على استبيانات لأكثر من ثلاثة ملايين شخص في 114 دولة. وتشير نتائج هذه الاستطلاعات إلى أن ريادة الأعمال تتسع مجالاً يوما بعد يوم، تحديداً مع بدء المزيد من الأشخاص أعمالهم التجارية الخاصة ومواجهة تحديات جديدة.
واقع المرأة الريادية في قطر
أمّا في شأن انخراط المرأة في المجال الريادي القطري، فوفقًا لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2019، هناك معدلات نشاط متساوية لرواد الأعمال في المرحلة المبكرة بين كلا الجنسين، الرجال والنساء في قطر. هذا ما يثبت أنّ دولة قطر منحت النساء تشجيعاً وفيراً ساوته مع تشجيع الرجال.
تؤكد خبيرة التخطيط الاستراتيجي القطرية الدكتورة بثينة الأنصاري ما سبق قائلةً: "في يومنا هذا، تبلغ نسبة المرأة القيادية في قطر أكثر من ٣٠٪، ونسبة مشاركتها في ميدان العمل تتجاوز ال ٥٨٪. هذه النسب تعتبر مؤشر أن المرأة تمكنت في دولة قطر من تحقيق على الأقل ما تطمح إليه".
بحسب جامعة جورج تاون في قطر، الدكتورة الأنصاري هي سفيرة برنامج النساء القائدات نحو التغيير، وهي عضو مجلس إدارة جمعية سيدة الأعمال القطرية وعضو في شبكة الأعمال في الشرف الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مستشارة في شبكة القطريات المحترفات.
عرضَت الأنصاري رأيها حول أسباب نجاح القطيات الرّائدات، قائلةً إنّ دعم أسرتهنّ لهنّ، وتقسيمهنّ الوقت والموارد، وشغفهنّ للمغامرة والمواجهة في أسواق العمل، وتعليمهنّ المتين في دولة قطر التي تؤمّن نظاماً تعليمياً رائداً، هي من أبرز أسباب نجاحهن وتفوّقهنّ وتمثّل مدماكاً لدعم النساء الأُخريات.
حديث مع خبيرة التخطيط الاستراتيجي القطرية الدكتورة بثينة الأنصاري: شاهد الفيديو
وتوجّهت الأنصاري بالحديث إلى كل شابات ونساء العالم قائلةً: "على النساء في العالم ككل وفي الدول العربية تحديدا أن يبدلن الأقوال بالأفعال، وأن يتخذوا قرار الولوج في الحياة الريادية وفي سوق العمل، لأنّه يجب أن تكون بأيدينا أدوات التميز ومخرجات الإبداع، وشغف العمل في الميدان نفسه بدلا من الجلوس في الكواليس".
بين القطاع العام والخاص
إنّ الكثير من المؤسسات الخاصّة في الدول العربية تعمل على خلق بيئة داعمة الشباب ومشجعة على لتوجيه ابتكاراتهم وإبداعاتهم، والهدف هو إنتاج مجتمعا مستداما. هذا كله عبر تحويل أفكار الأعمال إلى مشاريع اقتصادية ناجحة. تعمل كل هذه المؤسسات الخاصة جاهدة لتشجيع الفكر المبدع الشاب اليافع ومساعدة كلا الجنسين على تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة.
على عكس المؤسسات الخاصة، ما زالت الدول العربية تشهد نقصاً في دعم المرأة وتمكينها في المؤسسات العامة، فتمثيلها في القطاع العام يبقى خجولاً. وبحسب الإحصاءات الأخيرة، فإن عدد الرائدات العربيات في القطاع الخاص يزيد الآن عن 75٪ بحسب مجلة "ذي إيكونومست". ومع ذلك، تبقى المرأة غائبة أو مغيّبة عن الوظائف العامة في الدول العربية، وكذلك عن الحياة السياسية. ولكن يجدر الذكر أنّ هناك العديد من رائدات الأعمال العربيات الناجحات اللواتي وصلن إلى القمة في مجالاتهن العامة وليس الخاصة فحسب.
وفي عودةٍ إلى دولة قطر التي تؤهل مؤسساتها للمساواة بين الجنسين في الحياة الريادية، فهذه الدولة تعتبر القدوة في هذا المجال، والتي عَبر صورتها تدفع الدول كافة لتأمين الدعم الوافر للنساء في مجال العمل وريادة الأعمال. دولة قطر، حكاماً وشعباً، تؤمن بقدرات النساء على الريادة في شتى مجالات الحياة، لتدفعهنّ جاهزات للغوص في معترك العمل والتميز، كما يحلَمنَ.
